جهاد السلوك - 19 يوليو 2017
2021-10-23 639
تمرُّ بالإنسان مواقف لا تُنْسَى، ومما مرَّ بي في العام 1406هـ مجلسٌ جمعني بعلماء أفاضل كان له أثرٌ باقٍ في نفسي حتى اليوم.. ففي ذلك العام أقام الأخ الفاضل والجار الكريم الأستاذ محمد أحمد المنصوري (أبوأحمد) وكيل الرئيس العام للمسجد الحرام والمسجد النبوي سابقًا تكريمًا في داره العامرة بشارع جرهم بمكة المكرمة لفضيلة الشيخ محمد السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام يرحمه الله، وكنت وقتها علي وشك مغادرة المملكة إلى بريطانيا في رحلة لدراسة الدكتوراه مبتعثًا من جامعة الملك عبدالعزيز، وبعد أن قدَّمني أبوأحمد لفضيلته، وعرف أني على وشك السفر دعا لي، وقال: أوصيك بجهاد السلوك أثناء سفرك، كن داعيةً بسلوكك، وأنقل صورة إيجابية لدينك ووطنك وأمتك في بلاد الغربة، فالسلوك الحسن والإخلاص والصدق في التعامل من أعظم أنواع الجهاد، مستشهدًا بالآية الكريمة: (وقولوا للناس حُسْنًا)، عندها تكون قد خدمت الإسلام خدمة عظيمة.
تذكَّرت هذا الموقف وأنا أقرأ قصة انتشار الإسلام في شرق آسيا التي تُعَدُّ من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم، لم يذهب المسلمون في ذلك الوقت -وأغلبهم من جنوب الجزيرة العربية- إلى تلك المناطق البعيدة، بجيوشٍ غازية، ولم يخوضوا مع أهل تلك البلاد حروبًا، إنما ذهبوا لتلك البلاد تجارًا يحملون قيمًا كريمة ومُثُلًا عُلْيا تُمَثِّلُ قِيَمَ الإسلام ورحمته، فَدَعَوْا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والصدق في التعامل، فنالوا ثقة تلك الشعوب بمختلف أعراقها وأجناسها، وعندها حققوا القاعدة، التي تُؤكِّد أن الإسلام ليس ظاهرة فقهية فقط، بل هو نهج حضاري وأسلوب حياة يغزو الأفئدة قبل الأماكن والبلدان.
غادر التجار المسلمون المشرق الإسلامي باتجاه تلك البلاد عن طريق البحر، فأخذوا يتبادلون السلع التجارية مع أهل تلك البلاد بالصدق والإخلاص والأمانة، فوجد أهل تلك البلاد فيهم الصدق، وعرفوا فيهم العفة والتعامل الحسن، وأيقنوا أن هذا كله من أثر العقيدة الإسلامية التي يحملونها، فأحبوا الإسلام ودخلوا في دين الله أفواجًا، لدرجة أن أكثر المسلمين في وقتنا الحاضر البالغ عددهم أكثر من 1.8 مليار مسلم أي نحو ربع سكان الكرة الأرضية هم من ذلك الجزء من العالم وأصبحوا- ولله الحمد- من أبنائه المخلصين، وبذلك تمكَّن المسلمون الأوائل من نشر الدعوة إلى الله عن طريق نقل الصورة الجميلة عن الإسلام في خارج بلدانهم. فما أجمل أن يعي أبناؤنا وبناتنا هذه المعاني، وأن يتخذوها نهجًا في حياتهم، سيما وهم يخرجون من هذا البلد المبارك لينهلوا من العلم والمعرفة.